فصل: تفسير الآية رقم (21):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: التسهيل لعلوم التنزيل



.تفسير الآيات (17- 18):

{وَالَّذِي قَالَ لِوَالِدَيْهِ أُفٍّ لَكُمَا أَتَعِدَانِنِي أَنْ أُخْرَجَ وَقَدْ خَلَتِ الْقُرُونُ مِنْ قَبْلِي وَهُمَا يَسْتَغِيثَانِ اللَّهَ وَيْلَكَ آمِنْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَيَقُولُ مَا هَذَا إِلَّا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ (17) أُولَئِكَ الَّذِينَ حَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ إِنَّهُمْ كَانُوا خَاسِرِينَ (18)}
{والذي قَالَ لِوَالِدَيْهِ أُفٍّ لَّكُمَآ} هي على الاطلاق فيمن كان على هذه الصفة من الكفر والعقوق لوالديه، ويدل على أنها عامة قوله تعالى: {أولئك الذين حَقَّ عَلَيْهِمُ القول} بصيغة الجمع، ولو أراد واحداً بعينه لقال ذلك الذي حق عليه القول، وقد ذكرنا معنى أف في [الإسراء: 23] {أتعدانني أَنْ أُخْرَجَ} أي أتعدانني أنا أن أخرج من القبر إلى البعث {وَقَدْ خَلَتِ القرون مِن قَبْلِي} أي وقد مضت قرون من الناس ولم يبعث منهم أحد {وَهُمَا يَسْتَغثِيَانِ الله} الضمير لوالديه أي يستغيثان بالله من كراهتهما لما يقول منهما ثم يقولان له: ويلك ثم يأمرانه بالإيمان: فيقول: {مَا هاذآ إِلاَّ أَسَاطِيرُ الأولين}: أي قد سطره الأولون في كتبهم، وذلك تكذيب بالبعث والشريعة.

.تفسير الآيات (19- 20):

{وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِمَّا عَمِلُوا وَلِيُوَفِّيَهُمْ أَعْمَالَهُمْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ (19) وَيَوْمَ يُعْرَضُ الَّذِينَ كَفَرُوا عَلَى النَّارِ أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمُ الدُّنْيَا وَاسْتَمْتَعْتُمْ بِهَا فَالْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنْتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَبِمَا كُنْتُمْ تَفْسُقُونَ (20)}
{وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِّمَّا عَمِلُواْ} أي للمحسنين والمسيئين درجات في الآخرة بسبب أعمالهم، فدرجات أهل الجنة إلى علو، ودرجات أهل النار إلى سفل، وليوفيهم تعليل بفعل محذوف وبه يتعلق تقديره: جعل جزاءهم درجات ليوفيهم أعمالهم {وَيَوْمَ يُعْرَضُ} العامل في محذوف تقديره اذكر {أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ} تقديره يقال لهم: أذهبتم طيباتكم، والطيبات هنا الملاذ من المآكل وغيرها؛ وقرأ أكثر القراء أذهبتم بهمزة واحدة على الخبر، وابن عامر بهمزتين على التوبيخ، والآية في الكفار بدليل قوله: {يُعْرَضُ الذين كَفَرُواْ} وهي مع ذلك واعظة لأهل التقوى من المؤمنين، ولذلك قال عمر لجابر بن عبد الله وقد رآه اشترى لحماً أما تخشى أن تكون من أهل هذه الآية {عَذَابَ الهون} أي العذاب يقترن به هوان.

.تفسير الآية رقم (21):

{وَاذْكُرْ أَخَا عَادٍ إِذْ أَنْذَرَ قَوْمَهُ بِالْأَحْقَافِ وَقَدْ خَلَتِ النُّذُرُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ (21)}
{واذكر أَخَا عَادٍ} يعني هوداً عليه السلام {بالأحقاف} جمع حقف وهو الكدس من الرمل، واختلف أين كانت فقيل بالشام، وقيل: بين عُمان ومُهْرة وقيل: بين عُمان وحَضْرَموت، والصحيح أن بلاد عاد كانت باليمن {وَقَدْ خَلَتِ النذر} أي تقدمت من قبله ومن بعده، والنذر جمع نذير، فإن قيل: كيف يتصور تقدمها من بعده؟ فالجواب أن هذه الجملة اعتراض، وهي إخبار من الله تعالى أنه قد بعث رسلاً متقدمين قبل هود وبعده، وقيل: معنى من خلفه في زمانه.

.تفسير الآية رقم (23):

{قَالَ إِنَّمَا الْعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ وَأُبَلِّغُكُمْ مَا أُرْسِلْتُ بِهِ وَلَكِنِّي أَرَاكُمْ قَوْمًا تَجْهَلُونَ (23)}
{قَالَ إِنَّمَا العلم عِندَ الله} أي قل: إن العذاب الذي قلتم ائتنا به ليس لي علم متى يكون، وإنما يعلمه الله، وما عليّ إلا أن أبلغكم ما أرسلت به.

.تفسير الآيات (24- 25):

{فَلَمَّا رَأَوْهُ عَارِضًا مُسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهِمْ قَالُوا هَذَا عَارِضٌ مُمْطِرُنَا بَلْ هُوَ مَا اسْتَعْجَلْتُمْ بِهِ رِيحٌ فِيهَا عَذَابٌ أَلِيمٌ (24) تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ بِأَمْرِ رَبِّهَا فَأَصْبَحُوا لَا يُرَى إِلَّا مَسَاكِنُهُمْ كَذَلِكَ نَجْزِي الْقَوْمَ الْمُجْرِمِينَ (25)}
{فَلَمَّا رَأَوْهُ عَارِضاً مُّسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهِمْ} العارض السحاب الذي يعرض في أفق السماء، والضمير في رأوه يعود على ما تعدنا أو على المرئي المبهم الذي فسره قوله: {عَارِضاً} قال الزمخشري: وهذا أعرب وأفصح، وروي أنهم كانوا قد قحطوا مدّة، فلما رأوا هذا العارض ظنوا أنه مطر ففرحوا به فقال لهم هود عليه السلام: بل هو ما استعجلتم به من العذاب وقوله: {رِيحٌ} بدل من {مَا استعجلتم} أو خبر ابتداء مضمر {تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ بِأَمْرِ رَبِّهَا} عموم يراد به الخصوص.

.تفسير الآية رقم (26):

{وَلَقَدْ مَكَّنَّاهُمْ فِيمَا إِنْ مَكَّنَّاكُمْ فِيهِ وَجَعَلْنَا لَهُمْ سَمْعًا وَأَبْصَارًا وَأَفْئِدَةً فَمَا أَغْنَى عَنْهُمْ سَمْعُهُمْ وَلَا أَبْصَارُهُمْ وَلَا أَفْئِدَتُهُمْ مِنْ شَيْءٍ إِذْ كَانُوا يَجْحَدُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَحَاقَ بِهِمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ (26)}
{وَلَقَدْ مَكَّنَاهُمْ فِيمَآ إِن مَّكَّنَّاكُمْ فِيهِ} هذا خطاب لقريش على وجه التهديد أي مكنا عاداً فيما لم نمكنكم فيه من القوة والأموال وغير ذلك، ثم أهلكنا لما كفروا وإن هنا نافية بمعنى ما، وعدل عن ما كراهية لاجتماعها مع التي قبلها، وقيل: إن شرطية، وجوابها محذوف تقديره: إن مكنَّاكم فيه طغيتم، قال ابن عطية: وهذا تنطع في التأويل.

.تفسير الآيات (27- 28):

{وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا مَا حَوْلَكُمْ مِنَ الْقُرَى وَصَرَّفْنَا الْآيَاتِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (27) فَلَوْلَا نَصَرَهُمُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ قُرْبَانًا آلِهَةً بَلْ ضَلُّوا عَنْهُمْ وَذَلِكَ إِفْكُهُمْ وَمَا كَانُوا يَفْتَرُونَ (28)}
{وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا مَا حَوْلَكُمْ مِّنَ القرى} يعني بلاد عاد وثمود وسبأ وغيرها، والمراد إهلاك أهلها {فَلَوْلاَ نَصَرَهُمُ} الآية عرض معناه النفي أي لم تنصرهم آلهتهم التي عبدوا من دون الله {قُرْبَاناً} أي ترقبوا بهم إلى الله وقالوا هؤلاء شفعاؤنا عند الله، وانتصاب قرباناً على الحال، ولا يصح أن يكون قرباناً مفعولاً ثانياً لا تخذوا وآلهة بدل منه لفساد المعنى، قاله الزمخشري، وقد أجازه ابن عطية {بَلْ ضَلُّواْ عَنْهُمْ} أي تلفوا لهم وغابوا عن نصرهم حين احتاجوا إليهم.

.تفسير الآيات (29- 32):

{وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَرًا مِنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ فَلَمَّا حَضَرُوهُ قَالُوا أَنْصِتُوا فَلَمَّا قُضِيَ وَلَّوْا إِلَى قَوْمِهِمْ مُنْذِرِينَ (29) قَالُوا يَا قَوْمَنَا إِنَّا سَمِعْنَا كِتَابًا أُنْزِلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَى مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ وَإِلَى طَرِيقٍ مُسْتَقِيمٍ (30) يَا قَوْمَنَا أَجِيبُوا دَاعِيَ اللَّهِ وَآمِنُوا بِهِ يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُجِرْكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ (31) وَمَنْ لَا يُجِبْ دَاعِيَ اللَّهِ فَلَيْسَ بِمُعْجِزٍ فِي الْأَرْضِ وَلَيْسَ لَهُ مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءُ أُولَئِكَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (32)}
{وَإِذْ صَرَفْنَآ إِلَيْكَ نَفَراً مِّنَ الجن} أي أملناهم نحوها، والنفر دون العشرة، وروي أن الجن كانوا سبعة وكانوا كلهم ذكراناً، لأن النفر الرجال دون النساء، وكانوا من أهل نصيبين، وقيل من أهل الجزيرة، واختلف هل رآهم النبي صلى الله عليه وسلم؟ قيل: إنه لم يرهم، ولم يعلم باستماعهم حتى أعلمه الله بذلك، وقيل: بل علم بهم واستعد لهم واجتمع معهم، وقد ورد في ذلك عن عبد الله بن مسعود أحاديث مضطربة، وسبب استماع الجن أنهم لما طردوا من استراق السمع من السماء برجم النجوم قالوا: ما هذا إلا لأمر حدث، فطافوا بالأرض ما أوجب ذلك، حتى سمعوا قراءة رسول الله صلى الله عليه وسلم في صلاة الفجر في سوق عكاظ، فاستمعوا إليه وآمنوا به {أُنزِلَ مِن بَعْدِ موسى} في هذا دلالة على أنهم على دين اليهود، وقيل: كانوا لم يعلموا ببعث عيسى {مُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ} ذكر في [البقرة: 89] {دَاعِيَ الله} هو رسول الله صلى الله عليه وسلم {يَغْفِرْ لَكُمْ مِّن ذُنُوبِكُمْ} من هنا للتبعيض على الأصح، أي يغفر لكم الذنوب التي فعلتم قبل الإسلام، وأما التي بعد الإسلام فهي في مشيئة الله، وقيل: معنى التبعيض أن المظالم لا تغفر وقيل: إن من زائدة {وَيُجِرْكُمْ مِّنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ} أي من النار، واختلف الناس هل للجن ثواب زائد على النجاة من النار، أم ليس لهم ثواب إلا النجاة خاصة {وَمَن لاَّ يُجِبْ دَاعِيَ الله} الآية: يحتمل أن يكون من كلام الجن، أو من كلام الله تعالى، ومعنى ليس بمعجز أي لا يفوت.

.تفسير الآية رقم (33):

{أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَلَمْ يَعْيَ بِخَلْقِهِنَّ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى بَلَى إِنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (33)}
{أَوَلَمْ يَرَوْاْ} الآية: احتجاج على بعث الأجساد بخلق السموات والأرض {وَلَمْ يَعْيَ بِخَلْقِهِنَّ} يقال: عييتَ بالأمر إذا لم تعرفه، فالمعنى أنه تعالى علم كيف خلق السموات والأرض، وأحكم خلقتها، فلا شك أنه قادر على إحياء الموتى {بِقَادِرٍ} في موضع رفع لأنه خبر أن، وإنما دخلت الباء لاشتمال النفي في أول الآية على أن وخبرها {بلى} جواب لما تقدم، أي هو قادر على أن يحي الموتى.

.تفسير الآية رقم (35):

{فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُو الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ وَلَا تَسْتَعْجِلْ لَهُمْ كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَ مَا يُوعَدُونَ لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ بَلَاغٌ فَهَلْ يُهْلَكُ إِلَّا الْقَوْمُ الْفَاسِقُونَ (35)}
{فاصبر كَمَا صَبَرَ أُوْلُواْ العزم مِنَ الرسل} هذا خطاب للنبي صلى الله عليه وسلم أي اصبر على تكذيب قومك وألولوا العزم هم، نوح وإبراهيم وعيسى وموسى، وقيل هم الثمانية عشر المذكورون في سورة الأنعام لقوله: {فَبِهُدَاهُمُ اقتده} [الأنعام: 90]، وقيل: كل من لقي من أمته شدة، وقيل: الرسل كلهم أولوا عزم، فمن الرسل على هذا لبيان الجنس وعلى الأقوال المتقدمة للتبعيض {وَلاَ تَسْتَعْجِل لَّهُمْ} أي لا تستعجل نزول العذاب بهم، فإنهم صائرون إليه فإنهم إذا هلكوا كأنهم لم يلبثوا في الدنيا إلا ساعة من نهار لاستقصار أعمارهم {بَلاَغٌ} خبر ابتداء مضمر تقديره: هذا الذي وعظتم به بلاغ بمعنى: كفاية في الموعظة، أو بلاغ من الرسول عليه الصلاة والسلام، أي بلغ هذه المواعظ والبراهين.

.سورة محمد:

.تفسير الآيات (1- 2):

{الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ أَضَلَّ أَعْمَالَهُمْ (1) وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَآمَنُوا بِمَا نُزِّلَ عَلَى مُحَمَّدٍ وَهُوَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ كَفَّرَ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَأَصْلَحَ بَالَهُمْ (2)}
{الذين كَفَرُواْ} يعني كفار قريش، وعموم اللفظ يعم كل كافر، كما أن قوله بعد هذا: {والذين آمَنُواْ} يعني الصحابة، وعموم اللفظ يصلح لكل مؤمن {وَصَدُّواْ عَن سَبِيلِ الله} يحتمل أن يكون صدُّوا بمعنى؛ أعرضوا فيكون غير متعد أو يكون بمعنى صدوا الناس فيكون متعدياً، وسبيل الله: الإسلام والطاعة {أَضَلَّ أَعْمَالَهُمْ} أي أبطلها وأحبطها، وقيل: المراد بأعمالهم هنا ما أنفقوا في غزوة بدر؛ فإن هذه الآية نزلت بعد بدر، واللفظ أعم من ذلك {وَآمَنُواْ بِمَا نُزِّلَ على مُحَمَّدٍ} هذا تجريد للاختصاص والاعتناء، بعد عموم قوله: {آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصالحات} ولذلك أكده بالجملة الاعتراضية، وهو قوله: {وَهُوَ الحق مِن رَّبِّهِمْ} {وَأَصْلَحَ بَالَهُمْ} قيل: معناه أصلح حالهم وشأنهم، وحقيقة البال الخاطر الذي في القلب، وإذا صلح القلب صلح الجسد كله، فالمعنى إصلاح دينهم بالإيمان والإخلاص والتقوى.

.تفسير الآية رقم (4):

{فَإِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقَابِ حَتَّى إِذَا أَثْخَنْتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثَاقَ فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا ذَلِكَ وَلَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لَانْتَصَرَ مِنْهُمْ وَلَكِنْ لِيَبْلُوَ بَعْضَكُمْ بِبَعْضٍ وَالَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَلَنْ يُضِلَّ أَعْمَالَهُمْ (4)}
{فَضَرْبَ الرقاب} أصله فاضربوا الرقاب ضرباً، ثم حذف الفعل وأقام المصدر مقامه، والمراد، اقتلوهم. ولكن عبّر عنه بضرب الرقاب، لأنه الغالب في صفة القتل {حتى إِذَآ أَثْخَنتُمُوهُمْ} أي هزتموهم، والإثخان أن يكثر فيهم القتل والأسر {فَشُدُّواْ الوثاق} عبارة معن الأسر {فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَآءً} المن: العتق، والفداء: فك الأسير بمال، وهما جائزان فإن مذهب مالك أن الإمام مخيّر في الأسارى بين خمسة أشياء: وهي: المن والفداء والقتل والاسترقاق وضرب الجزية. وقيل: لا يجوز المنّ ولا الفداء لأن الآية منسوخة بقوله: {فاقتلوا المشركين} [التوبة: 5] فلا يجوز على هذا إلا قتلهم. والصحيح أنها محكمة وانتصب منَّا وفِداء على المصدرية، والعامل فيهما فعلان مضمران {حتى تَضَعَ الحرب أَوْزَارَهَا} الأوزار في اللغة: الأثقال، فالمعنى حتى تذهب وتزول أثقالها، وهي آلاتها وقيل: الأوزار: الآثام، لأن الحرب لابد أن يكون فيها إثم في أحد الجانبين، واختلف في الغاية المرادة هنا فقيل: حتى يسلموا جميعاً؛ فحينئذ تضع الحرب أوزارها وقيل: حتى تقتلوهم وتغلبوهم، وقيل: حتى ينزل عيسى ابن مريم: قال ابن عطية: ظاهر اللفظ أنها استعارة يراد بها التزام الأمر أبداً، كما تقول: أنا فاعل ذلك إلى يوم القيامة {ذَلِكَ} تقديره: الأمر ذلك {وَلَوْ يَشَآءُ اللَّهُ لاَنْتَصَرَ مِنْهُمْ} أو لو شاء الله لأهلك الكفار بعذاب من عنده، ولكنه تعالى أراد اختبار المؤمنين، وأن يبلو بعض الناس ببعض.

.تفسير الآية رقم (6):

{وَيُدْخِلُهُمُ الْجَنَّةَ عَرَّفَهَا لَهُمْ (6)}
{عَرَّفَهَا لَهُمْ} أي جعلهم يعرفون منازلهم فيها، فهو من المعرفة وقيل: معناه طيِّبها لهم فهو من العَرْف وهو طيب الرائحة، وقيل: معناه شرَّفها ورفعها، فهو في الأعراف التي هي الجبال.

.تفسير الآية رقم (8):

{وَالَّذِينَ كَفَرُوا فَتَعْسًا لَهُمْ وَأَضَلَّ أَعْمَالَهُمْ (8)}
{فَتَعْساً لَّهُمْ} أي عثاراً وهلاكاً. وانتصابه على المصدرية، والعامل فيه فعل مضمر، وعلى هذا عَطَفَ وأضلَّ أعمالهم.

.تفسير الآية رقم (10):

{أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ دَمَّرَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَلِلْكَافِرِينَ أَمْثَالُهَا (10)}
{وَلِلْكَافِرِينَ أَمْثَالُهَا} أي لكفار قريش أمثال عاقبة الكفار المتقدمين من الدمار والهلاك.

.تفسير الآية رقم (11):

{ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ مَوْلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَأَنَّ الْكَافِرِينَ لَا مَوْلَى لَهُمْ (11)}
{مَوْلَى الذين آمَنُواْ} أي وليهم وناصرهم وكذلك {وَأَنَّ الكافرين لاَ مولى لَهُمْ} معناه: لا ناصر لهم، ولا يصح أن يكون المولى هنا بمعنى السيد، لأن الله مولى المؤمنين والكافرين بهذا المعنى ولا تعارض بين هذه الآية وبين قوله: و{ردوا إلى الله مَوْلاَهُمُ الحق} [الأنعام: 62] لأن معنى المولى مختلف في الموضعين؛ فمعنى {مَوْلاَهُمُ الحق}: ربهم وهذا على العموم في جميع الخلق بخلاف قوله: {مَوْلَى الذين آمَنُواْ} فإنه خاص بالمؤمنين لأنه معنى الولي والناصر.

.تفسير الآية رقم (12):

{إِنَّ اللَّهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَالَّذِينَ كَفَرُوا يَتَمَتَّعُونَ وَيَأْكُلُونَ كَمَا تَأْكُلُ الْأَنْعَامُ وَالنَّارُ مَثْوًى لَهُمْ (12)}
{وَيَأْكُلُونَ كَمَا تَأْكُلُ الأنعام} عبارة عن كثرة أكلهم، وعن غفلتهم عن النظر كالبهائم.

.تفسير الآية رقم (13):

{وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ هِيَ أَشَدُّ قُوَّةً مِنْ قَرْيَتِكَ الَّتِي أَخْرَجَتْكَ أَهْلَكْنَاهُمْ فَلَا نَاصِرَ لَهُمْ (13)}
{مِّن قَرْيَتِكَ التي أَخْرَجَتْكَ} يعني مكة. وخروجه صلى الله عليه وسلم من وقت الهجرة، ونسب الإخراج إلى القرية. والمراد بأهلها، لأنهم آذوه حتى خرج {أَهْلَكْنَاهُمْ} الضمير للقرى المتقدمة المذكورة في قوله: {وَكَأَيِّن مِّن قَرْيَةٍ} وجمعه حملاً على المعنى والمراد أهلكنا: أهلها.

.تفسير الآيات (14- 15):

{أَفَمَنْ كَانَ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ كَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءَهُمْ (14) مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ فِيهَا أَنْهَارٌ مِنْ مَاءٍ غَيْرِ آسِنٍ وَأَنْهَارٌ مِنْ لَبَنٍ لَمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ وَأَنْهَارٌ مِنْ خَمْرٍ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ وَأَنْهَارٌ مِنْ عَسَلٍ مُصَفًّى وَلَهُمْ فِيهَا مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ وَمَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ كَمَنْ هُوَ خَالِدٌ فِي النَّارِ وَسُقُوا مَاءً حَمِيمًا فَقَطَّعَ أَمْعَاءَهُمْ (15)}
{أَفَمَن كَانَ على بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّهِ} أي على حجة ويعني به النبي صلى الله عليه وسلم، كما يعني قريشاً بقوله: {كَمَن زُيِّنَ لَهُ سواء عَمَلِهِ} واللفظ أعم من ذلك.
{مَّثَلُ الجنة} ذكر في [الرعد: 35] {غَيْرِ آسِنٍ} أي غير متغير {كَمَنْ هُوَ خَالِدٌ فِي النار} تقديره: أمثلُ أهل الجنة المذكورة كمن هو خالد في النار؟ فحذف هذا على التقدير والمراد به النفي، وإنما حذف لدلالة التقدير المتقدم وهو قوله: {أَفَمَن كَانَ على بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّهِ}.